"تعديلات قانون الأحوال الشخصية".. ناشطات عراقيات يحذرن من تآكل مكتسبات المرأة
"تعديلات قانون الأحوال الشخصية".. ناشطات عراقيات يحذرن من تآكل مكتسبات المرأة
حذّرت ناشطات ومنظمات نسوية عراقية من تداعيات التعديلات الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية، معتبرات أن هذه التعديلات تمثل تهديداً مباشراً للمكتسبات الحقوقية التي حققتها المرأة العراقية على مدار عقود، وتفتح الباب أمام ممارسات تمييزية تطال النساء والفتيات، وتضعف الحماية القانونية لهن، لا سيما في مجالات الحضانة والزواج المبكر والميراث.
جاء ذلك خلال جلسة تشاورية نظّمتها "شبكة النساء العراقيات"، بالتعاون مع "تحالف 188"، بحضور عدد من القضاة وممثلي منظمات المجتمع المدني، لمناقشة التحديات المرتبطة بتطبيق التعديل رقم 1 لسنة 2025 على قانون الأحوال الشخصية، وذلك في ظل غياب المدونة القضائية المرافقة لهذا التعديل، والتي كان يُفترض صدورها بالتزامن مع تمريره في البرلمان، بحسب ما ذكرت الشبكة العراقية في بيان لها، الاثنين.
وأوضحت المديرة التنفيذية للشبكة، أمل كباشي، أن التعديل المقترح "أثّر بشكل مباشر على حقوق النساء التي نص عليها القانون النافذ رقم 188 لسنة 1959"، لافتة إلى أن الجلسة سعت لرصد التحديات والتطبيقات الواقعية التي تواجه النساء في سعيهن للوصول إلى العدالة.
مخاوف من الصبغة الطائفية
في السياق، أكدت الناشطة بشرى أبو العيس أن "القضاء أبدى رسائل تطمين بشأن آلية تطبيق القانون، لكنه فوجئ –كغيره من الفاعلين– بتأخر إصدار المدونة التفسيرية الخاصة بالتعديل".
وأضافت أن هذا التعديل استند إلى "مصدر فقهي محدد"، ما أثار مخاوف من إدخال الصبغة الطائفية في قانون يفترض أن يكون موحداً لكل العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم.
وقالت أبو العيس إن غياب المدونة "أربك السلطة القضائية التي باتت تضطر للرجوع إلى المجلس العلمي في دار الإفتاء الشيعي"، وهو ما وصفته بأنه يمثل "تفريغاً جزئياً للقانون من مضمونه المدني، وتحويلاً لصلاحيات القضاء إلى سلطة دينية تنفيذية".
دعوات إلى مراجعة شاملة
من جانبها، طالبت نائبة المجلس الاستشاري لنساء العراق، آية كمونة، بتكثيف عقد الجلسات التشاورية التي تجمع القضاة مع منظمات المجتمع المدني والحقوقيين، معتبرة أن الجدل القائم حول التعديل يُسهم في تأجيج الرأي العام، ويهدد السلم الأهلي ما لم يتم توضيح آليات التطبيق وضمان التوازن القانوني.
وحذّرت كمونة من أن استمرار الغموض بشأن مضامين التعديل الجديد سيُضعف الثقة بين المواطنين والمؤسسات العدلية، داعية إلى "إشراك النساء بفعالية في رسم السياسات التشريعية التي تخص الأسرة والطفل".
وبحسب متابعين حقوقيين، يُعد قانون الأحوال الشخصية العراقي الصادر عام 1959 من أكثر القوانين تقدماً في المنطقة، حيث حدّ من تعدد الزوجات، وحمى حقوق المرأة في الحضانة والميراث، وقيّد الزواج المبكر، وهو ما شكّل أساساً قانونياً لحماية الأسرة لعقود.
لكن التعديلات المقترحة تفتح المجال أمام زواج القاصرات وتعدد الزوجات دون شروط صارمة، إلى جانب التمييز في قضايا الحضانة بناءً على الانتماء الطائفي، ما يُعد، بحسب منظمات حقوق الإنسان، تراجعاً خطيراً عن مبادئ المساواة والعدالة.
وتشير تقارير رسمية إلى أن أكثر من 22% من الفتيات في العراق يتزوجن قبل سن الـ18، إلى جانب ارتفاع ملحوظ في حالات العنف الأسري وعدم وجود مراكز إيواء كافية أو آليات فعالة للاستجابة القانونية.
دعوة لتحرك وطني
وشددت المشارِكات في الجلسة على أن مواجهة العنف ضد النساء والفتيات مسؤولية وطنية ومجتمعية تتطلب تضافر الجهود على كافة المستويات، داعيات إلى إلغاء التعديلات التي تكرّس التمييز، ومطالبة البرلمان بعدم تمرير أي مواد جديدة دون دراسة شاملة ومدوّنة تفسيرية واضحة.
وأكدت الناشطات أن المرأة العراقية تستحق تشريعًا يحمي حقوقها، لا يعيدها إلى الوراء، محذّرات من أن تقويض هذه المكتسبات يهدد استقرار الأسرة والمجتمع، ويمسّ جوهر العدالة والدستور.